يوميات صفية افندى 1 حصريا ديلي جراف عربية

 يوميات صفية افندى 

1




 اتولد على القهوة، واتربّى فيها ، واتعلم السياسة من طقطقة كباية الشاي لسلامو عليكو بتاع الجرسون.


كان صُفيّة أفندي مؤمن إن العدل أساس الملك، بس لأن مفيش لا عدل ولا ملك، قرر يعيش عالبركة، وياخدها من قصيرها ويقعد جنب عم "كُشك" بتاع الجرائد. ومن يومها بقى خبير عالمي في كل حاجة، من أسعار السمك في اليابان لحد آخر قصيدة كتبها شاعر أندلسي نسى يبعتهاله.


المهم، في يوم مش فايت، جتله واحدة ست شيك، لابسة نضارة سودة وفاكرة نفسها جين فوندا، قالت له:

ـ يا أستاذ صُفيّة، أنا بدوّر على الحقيقة!

قالها بمنتهى الهدوء وهو بيشرب شاي الكشري:

ـ يا بنتي، الحقيقة سابت البيت من أيام النكسة، ومحدش شافها من ساعتها!


ضحكت الست ومشيت، وسابته مع شايه وجرناله وحزنه الهادئ، اللي لا بيوجع ولا بيخف… زَي ما قال مرة: "إحنا جيل اتولد في المطبخ، وعاش في الأوضة، ودفن شبابه في الأنتريه!"


في يوم من الأيام، قرر صُفيّة أفندي يعمل حاجة مفيدة في حياته…

مش يفيد بيها حد، لا سمح الله، بس يفيد بيها دماغه، اللي خلاص اتعصرت زي الليمونة فوق طبق كشري سايح.


راح اشترى نوتة، وسمّاها: "مذكرات مواطن مفعوص".

كتب فيها أول جملة:

"صحيت الصبح لقيت إني مواطن… وقعدت أعيط."


وبدأ يكتب:

"العيش ناقص، والتموين واقف في الزحمة، والراديو بيغني (أهواك)، والشارع زحمة أكتر من ضميري أيام ما كنت في رابعة ابتدائي، وسرقت طباشير!"


وفي يوم، جاله صاحبه "منقريش بيه" — وده كان مثقف درجة عاشرة، يحفظ أسماء كل الفلاسفة، وينسى مفاتيحه كل يوم.


قال له:

ـ صُفيّة! إنت لازم تترشح!

قاله:

ـ أترشح إيه؟ طماطم؟

قاله:

ـ لا يا جدع! انتخابات المحليات!

قاله:

ـ يا راجل! أنا ما بعرفش أنجح في النوم حتى، أنجح في الانتخابات إزاي؟


بس منقريش بيه ضغط عليه، وقاله:

ـ البلد محتاجالك يا صُفيّة!

قاله:

ـ البلد محتاجالي؟ دا أنا ما لقيتش مكان ليّ في الميكروباص الصبح!


وهو نازل، صُفيّة كتب تاني في النوتة:

"السياسة زي الطعمية… لو ما اتقلبتش في الزيت الصح، تبوظ الدنيا وتلزق في الطاسة."


صُفيّة أفندي وافق يترشح… مش لأنه عايز يبني البلد، لا خالص، دا لأنه سمع إن اللي بيكسب بياخد بطاقة تموين VIP وساعة حائط عليها صورة الزعيم وهو بيهتف وهو نايم.


أول يوم في الحملة، طبع منشورات مكتوب فيها:

"صُفيّة أفندي… صوتك للي بيفهم في الفول ويخاف على الحلة!"


وحط صورة ليه وهو بيشاور على طبق كشري من بتوع شارع شامبليون، وحاطط شعار الحملـة:

"مع صُفيّة… مش هتجوع، بس احتمال تتخن!"


لفّ على الأهالي، وقالهم:

ـ عايزين مية؟ أنا عندي جركن.

ـ عايزين كهربا؟ أنا بوزّع كشافات على البطّارية!

ـ عايزين أمل؟ طب معلش دي مش معايا دلوقتي، بس أقولكوا أهو!


ويا ما شاف يا ستي…

واحد بيقوله:

ـ طب وعدني إنك تبني لنا مركز شباب!

قاله صُفيّة:

ـ أبنيه بإيه يا حاج؟ أنا جاي الحملة على رجلي، وبطلت أركب أتوبيس علشان أدفع تمن الورق بتاع المنشور!


المفاجأة كانت يوم النتيجة…

المندوب دخل عليه، وقاله بصوت تقيل:

ـ مبروك يا أفندي…

قاله صُفيّة وهو ماسك قلبه:

ـ كسبت؟

قاله:

ـ لأ، خسرت… بس مبروك على الخسارة، خلتك نجم المنطقة!


ومن يومها، الناس بقت تقعد مع صُفيّة أفندي مش عشان هو عضو مجلس… لا، عشان هو الراجل الوحيد اللي خسر بس كسب حب الناس، وشهرة، وكباية شاي على حساب الحاج "فُرخة"، صاحب القهوة.


وكتب في نوتته آخر سطر في الفصل ده:

"أنا مرشّح ما اتكتبش ليّ منصب

، بس اتكتبت ليا قعدة حلوة على نصبة الشاي… ودا كفاية."


يتبع


محي الدين محمود حافظ


إرسال تعليق

0 تعليقات