بلاغة الصمت.. وتجليات النور في قصيدة المحبة"
بقلم أشرف ماهر ضلع 🇪🇬
---
في زمنٍ تضجّ فيه الكلمات وتتصارع العبارات، تأتي قصيدة "المحبة" للشاعر محيي الدين محمود حافظ لتهمس لا لتصرخ، وتلمس الوجدان لا لتغزوه، وتبني معناها لا بثرثرة المعاني، بل بصمت البلاغة ورويّة المتأمل العارف.
منذ المطلع، يضعنا الشاعر أمام موقف جمالي متجاوز للفكرة السطحية عن "المحبّة"، فيفتتح بالنفي لا الإثبات:
"المحبّة لا تُقال"، وكأنه يوقظ وعينا على ما ضاع في زحام التصريحات العاطفية الفارغة، ثم يتدرج في بناء صورة متكاملة لـ"المحبة الصامتة"، تلك التي "تُرى في انحناءة الصوت... في التفاتة العين... في انتظارٍ لا يُعلن عن نفسه"، فالأفعال هنا ليست مجرد إيماءات بل شفرات وجدانية ترسم خارطة الودّ الحقيقي.
هذا النمط في التصوير يتسم ببلاغة الإيحاء، لا المباشرة، مما يمنح النص عمقًا تأويليًا يستحق التوقف. فكل صورة تبدو بسيطة ولكنها محمّلة بدلالات شعورية مرهفة، تُجسّد "السكينة العاطفية" باعتبارها جوهر الحب لا اضطرابه.
ويأتي التحوّل الروحي والفلسفي في القصيدة حين ينتقل الشاعر إلى البعد الإنساني الكوني:
"مسلم أنا يا يسوع... ولكنّي أحبّك".
هنا تتجلّى روح الحوار الحضاري والمحبّة العابرة للانتماءات، فالمحبة عند الشاعر لا تُحدّها العقيدة، بل تتسع لتضمّ النور القادم من الألم، والتجربة الروحية المشتركة بين الإنسان وأخيه في الإنسانية.
وتتوج القصيدة بهذه الذروة التجريدية الصوفية:
"الله... الله محبة"،
ليُعيد الشاعر بناء مفهوم إيماني شاعري، مستمد من الجوهر الإلهي ذاته، غير المقيد بصيغ نمطية، بل الممتلئ بالتجربة والتأمل والانفتاح.
🔍 لغة القصيدة:
اعتمد الشاعر على الأسلوب التقريري المشحون بالعاطفة والتجربة، مبتعدًا عن الزخارف البلاغية، لكنه غرس في كل بيت إيقاعًا داخليًا ناعمًا، يعتمد على توالي الصور الهادئة، والوقفات النفسية الموزونة، دون وزن تقليدي، مما يمنح النص حرية التدفق، ويقرّب القارئ إلى ذاته.
🎯 في الختام:
قصيدة "المحبّة" ليست مجرد تأمل شعري، بل رسالة إنسانية عميقة، ترفع منسوب الإدراك لجوهر العلاقات الإنسانية، وتُعيد للغة دورها النبيل في التعبير عن أسمى ما في الوجود: المحبّة التي لا تثقل، ولا تُنسى.
0 تعليقات