ضياع بعض شبابنا في وضح النهار محمد أحمد محرم اليمن

 



ضياع بعض شبابنا في وضح النهار

 محمد أحمد محرم

....

في يوم أمس منتصف شهر يناير الفين وخمس وعشرون ميلادي استيقظت من غرفتي في الصباح نشيطا وتناولت طعام الفطور الساخن اللذيذ المعجنات الساخنة المحمرة بالزيت التي أحبها والتي أعدت لي زوجتي بعد أن شربت القهوة في الشرفة على أنغام فيروز، وغادرت المنزل فوق الحافلة العمل الذي يصلني إلى الجامعة وألقيت محاضرتين من ثلاث ساعات لكني اختزلت الأخيرة ساعتين لأعود للمنزل بعد أن اعتذرت لطلابي الأعزاء وقلت لهم أني سأعوضهم ساعتي بدل الساعة فوافقوا -بكل سرور-  فخرجت من المحاضرة وأنا سعيد كأني امتلكت الدنيا، كذلك كنت سعيد مرة أخرى لأني لن أنتظر حافلة الجامعة الذي سيتأخر حوالي أكثر من ساعتين، فخرجت من حوش الجامعة مسرعا صعدت أول حافلة صغير ليصلني إلى منتصف الطريق ونزلت في المحطة الأولى لأصعد على الحافلة الثاني لأصل إلى البيت حيث كنت رقم ستة فنزل لي وصعدت حيث يتم حشر ستة ركاب متقابلين، في المنتصف بين اثنين على يمني صبي مراهق في الخمسة عشر ربيع هزيل الجسم ممتقع الزوج يظهر عليه السهر والإجهاد والآخر في العشرين من عمره ذو لحية هندسية على الخدود مثلثين قائمين على الخدين ودائرة في أسفل الفم لم تكتمل دورتها يحملها شاربا دقيقا كأنه دودة أم أربعة وأربعين، -وفي المقابل-  لنا على نفس الحافلة نواجه ثلاثة ركاب كانت من النساء في الوسط أصغرهن عمرها أربعة عشر عاما لم تكن منقبة وبشرتها بيضاء تسر الناظرين لكن يغطي وجهها القليل من البثور الحمراء كأنها ورد الربيع، وعلى يمينها مرأة تتعدى الستين لابسة ستارة وتلف على وجهها ودراسة اللثمة الصنعانية التقليدية الجميلة وعلى يسارها إم في الخمسة والثلاثين على صدرها تحتضن ابنها الصغير المستغرق في النوم والذي عمره لم يتجاوز العام.

والحافلة يسير والصبي اليافع يميل ركبتيه على ساقي الأيمن بعد برهة بدأت أشعر بثقل رجليه الاثنتين على ساقي ولم أعد احتمل لأني شعرت بخدرها فالتفت آلية بحذر وقلت له -بصوت خفيض-  وأدب جم لا يكاد يسمعه إلا هو

: لو سمحت وأشارت إلى ركبتيه أن يرفعها، لكني فوجئت بانتفاضة رأسه ويديه لكن ركبتيه لم يزحزحها قيد أنملة بل زاد بالضغط الشديد ، واستطرد قائلاً: هات بمقص وقصر رجلي قالها بتهكم وسخرية واردف يقهقه بصوت عالي.

قاطعته صائحا وقلت له هكذا التربية والتعليم هكذا الأدب.

فقال لي : من انت حتى تأتي لتربيني؟ وبعدين كأنك تقول عني مش متربي من بيتنا؟ 

قلت له جازماً بلى لم تحترمنا ونحن نملك بكل ادب 

فصاح مرة أخرى يرمي كلمات عشوائية في الهواء لتضحك له البنت الصغرى فزاد حماساً!

فاتجهت نحو الاخر بجانبي لعلة اعقل منه وقلت له: انصحه لعلة يعقل 

فلم يزيد الآخر إلا ثورة  وصاح بي انت عصبي!! 

انظر الى نفسك! ثم كررها مرة أخرى..

 ثم قال لي بوقاحة: نأسف على ابنائك وزوجتك في تحملك أما نحن فما هي إلا مسافة الطريق .

ضاع مني الكلام! 

وبداء راسي يدور، والدنيا تسود في وجهي.

  فلذت بالصمت  لا ادري ماذا اقول أو افعل .

برغم اني بدأت اضغط على أصابع يدي واضمها لكي ابادر في لكمة احدهم على وجهة وذلك لإطفاء ما بداخلي من حمم البركان يمكن أن تطيح بمن في الباص .

 وبدأت اسأل نفسي واحاول أصم آذاني من سماع سخريتهم القبيحة،  لكن العجوز لم تعد تحتمل الموقف فصاحت بهم وهي تشير بسبابتها نحوهم قائلة: انتم قليلي ادب، لم تحترمونا أو تحترموه أو تحترموا من في الباص،

 فشكرتها لتفهمها وقلت لي الدنيا بخير ...

ثم أوقفت الباص ونزلت منه رغم اني لم اصل الى وجهتي النهائية .

وواصلت بقية الطريق مشيا على الاقدام وانا افكر بل قل مستغرق في التفكير وكنت أسئل نفسي: 

هل وصلنا الى هذا الحد لم نعد نفرق بين الغث والسمين؟ 

هل أنا على حق  ؟ 

هل أخلاقنا ضاعت بين ركام الزمن؟ 

ام  أخلاقنا باتت منحطة إلى هذا الحد في هذا الزمن؟

لم يعد وازع الضمير داخلنا ينادي أو  يئن 

هل التكنولوجيا الحديثة والتقدم الحضاري زاد من الفجوة في التعامل الناس مع بعضهم البعض بكل حسن وجميل؟

اين احترام الكبير والعطف على الصغير!!!

 تعلمناها عند ابائنا وفي مدارسنا والى اليوم لازالت ترن بداخلنا ام نحن اصحاب الزمن الجميل!

فتوقفت برهة لقرب بيت اخي مني فاتصلت به هل هو في البيت فقال نعم تعال انا انتظرك

فوصلت البيت بعد خمس دقائق وطرقت الباب ففتح ابنة الصغير وتوجهت نحو المجلس حيث كان متكئا فيه

وعند دخولي من باب المجلس رأى وجهي على غير عادته 

فبادرني بسؤال مالي أراك لست على عادتك اليوم؟؟

فأجبته كاذبا بسبب حرارة الشمس.

ولم أتنبه أنه الشتاء. 

فضحك وقال انت لا تكذب! ولا تستطيع أن تكذب، وهذه ميزة اتمنى الا تتركها.

فجلست وشرحت له القصة السابقة وهو يستمع لها بشغف حتى النهاية.

وقام لي وربت على كتفي ضاحكا.

 وسألني كم تحمل من المال في جيبك؟

فاستغربت لسؤاله واجبته قائلاً له: ليس الكثير ما كان سيصلني إلى البيت.

فقال لي (برؤية ثاقبة لم انتبه لها) : اني أراهم سرق ولصوص أرادوا استفزازك لسرقة اي شيء منك بعد تأكدهم من خلو جيوبك من المال.

ثم عاد مرة أخرى إلى متكئة.

 وقال لي: يا اخي العزيز خذ مني هذه القصة الحقيقة التي وقعت لي عندما ذهبت للبريد لاستلام استحقاق مكتب الوزارة الذي أنا مُكلف به ولم أعرف أن يوجد أشخاص تراقب المكان وكان عند خروجي أن ارتطم واحد يحمل في يدية عكاز وارتمى إلى الأرض بعد أن أدخلت المبلغ كاملا إلى الجيب.

فأردت أن ارفعه من الأرض الا على شخص آخر يسحبني من قفا رأسي ماسكاً بياقة الكوت خلف رقبتي و الشخص ابو عكازين يرتفع معي محاذيا لوجهي و صدري وبحركة لم أشعر بها من أمامي أو خلفي قال لي الذي خلفي حصل خير لا تكررها وكن شوف امامك

 فوجهك يدلل على انك ابن ناس، فسعدت وركبت سيارتي ولم افكر أنهم سيأخذون النقود التي معي، إلى أن وصلت إلى مكتب المدير أدخلت يدي في جيبي فأخرجتها فارغة من غير سوء فأدخلتها في الجيب الآخر لم اجد إلى جوالي .

امتقع لوني وانا ابحث في جيوبي الفارغة بهستيرية لم اصدق اني سرقت حين لم أجد شىء، والمدير يتابعني من دون أن أشعر فقال لي مهدئاّ أرى انك انتشلت فأومأت براسي بنعم .. ولساني معقود لم استطيع الكلام 

فقال المدير مرة أخرى:  احذر مرة أخرى سأحملك النص وانا النص وسنقسطها من راتبنا أربعة أشهر،  فشكرته من كل قلبي وشكرت الله.

 ثم قال لي اخي مرة أخرى: عليك الحذر قدر ما تستطيع وأمسك نفسك من أن يستفزوا....

فحمدت الله اني خرجت منها سليم.

إرسال تعليق

0 تعليقات